آه يا شام..

2009/08/17 at 12:59 ص (شام)

121

و آه يا شام .

ما تزال الشام في خاطري .. تلك الصبية الحلوة الدافئة القلب

أطرز حاراتها بخطواتي الصغيرة و قفزاتي على ” رجل واحدة “

لأشتري  سطل ” عرق سوس ” تسبح في شرابه الأسود قطع ثلج كبيرة

أغرق في سوادها الذي يخفت تدريجيا كلما اقترب اللون من الماسة الضخمة الشفافة .

والشام ما تزال .. بيوت جدرانها من طينها ..

تحاول الطفلة التي كنتها فك رموز عبارات كتبت على الجدران  تؤرخ للحارة أحزانها و أفراحها

نشرة إخبارية  جد صغيرة .. تعرف منها ..

أن أبو منذر  قد حج إلى بيت الله الحرام ، فحبال الزينة و التبريكات تحمل الذكرى

و أبو محمد  ذبح خروفا  و رسم بدم المرحوم كفا بأصابع خمس تمنع الحسد

و أبو صبري .. يجيب عن سؤال مضمر حول مصدر ثروته  بعبارة : هذا من فضل ربي .

و رمزية قد ماتت و شبعت موتا و بقيت من أوراق نعوتها بعض الكلمات ،

أما حمدي فهو حمار ” أجلكم ” ، بينما سعيد  ” زين الشباب ” ، و تعرف بداهة أن الشهادة بخط سعيد نفسه .

أما دكان جمعة مبيض النحاس ، فقد  انتقل  إلى الحارة المجاورة ، و سيتكفل السهم بإيصال الزبائن إليه حتما ..

التهديد بخطر الموت لكل من يقترب من خزان الكهرباء ،

و لعنات و شتائم توضح أن من يرمي القمامة هنا هو “….. ابن …. “.

و الشام عندي ما تزال .. ياسمين يعرش على الجدران .. و أشجار ” مسكة ” تنافس رائحتها روائح زهر الليمون و الياسمين العراتلي ..

و الشام عندي ستبقى .. بردى .. يتفرع و يتفرع  حتى يصبح طوالع صغيرة تمر من كل حارة تسقيها ماء أنقى من دمع العين .

أرض ديار ، و مشرقة .. بحرة و نافورة .. دالية عنب و جرن كبة .. توتة و كبادة و نارنجة ..

نحلة و دبور ، قطة و عصفور ، و بائع  يجر حمارا يوقع باسمه على أرض الحارة .

سهرات على السطح .. و صواني مربى ورب البندورة ، حبل بامية و قمقم ماء زهر ..

تلك هي الشام ما زالت في خاطري .

وستبقى ..

و ستبقى .. في قلبي ..

لهفة الجار على جيرانه ، خوفه على بنات الحارة ، شهامة أولاد البلد .. و خفة دم  بناتها و دلالهن .

صباح الخير يقولها الجار للجار .. و ع العافية تقولها المرأة لجارة تسقي أصص الفل على الشرفات

و كل سنة و أنتوا سالمين يقولها الجميع للجميع صبيحة كل عيد

عبارات ، نسمعها حتى هذا الزمن

لكننا نسينا كيف كان أثرها في أيام كان فيها السلام من القلب و الكلمة من القلب و الابتسامة من القلب .

 

4 تعليقات

  1. راجح said,

    ماأجمل ماتكتبين ياباسمة, كل الكلمات تحولت إلى صور جميلة وكأني أراها أمامي . حتى تفاصيل التفاصيل لم تغب عن بالك. ذكرتني بكتاب قديم اقتنيته عن دمشق لسهام الترجمان(يامال الشام).

    • basima said,

      أهلاً بك هنا يا راجح
      ليس غريباً على بياع الخواتم أن يكون رقيقاً هكذا وهو يوزع الفرح والحلم والأمل
      كتاب سهام من أجمل ما قرأت عن دمشق.. وربما تأثرت بها دون أن أعلم
      ابق قريباً

      ود

  2. علاء said,

    الله اقولها من اعماق القلب على كل ما قرأت لك من تلك الترانيم الملائكية !!! كيف وانا عاشق الشام واهل الشام وهواء الشام وكل ركن من تلك الاركان التي تعطرت بها كل الازمان . شكرا على هذا الوجع (الشوق) اللذيذ ………… فأنا ومنذ لحظة الدخول لهذه الجنة لم اكن طالبا بقدر ما كنت تائها وغارقا بهذا العالم الجميل ……… صدقا لقد قفز القلب ولكن اين لنت الآن ايها القلب هدأ فلك من هذه المتعة التمني ……. اجلس الآن على مكتبي واسترجع ما اسعفتني به الذاكرة من لحظات العشق وعزائي انني اردني من (جيران الجنة) . فلك الشكر يا شامية
    الساعة السادسة والنصف مساء 23/12/2009 السعودية

    • basima said,

      الشكر لك يا علاء
      كلنا في حبها أخوة
      يسرني أن النص أعجبك

أضف تعليق